أسلوب حياة

مقابلة مع جو مالون

لطالما أذهلتنا صانعة العطور البريطانيّة جو مالون بعطورها المنعشة. كانتْ هذه الأخيرة معالجة مختصّة بالوجه وأسّستْ علامتها الأولى تحت إسم جو مالون لندن وباعتها لشركات إيستي لودر عام 1999. وبعد قرارها المهمّ الذي قلب حياتها رأسًا على عقب بالاستقالة والتوقّف عن العمل في هذا المجال بسبب معركتها مع مرض السّرطان، تعود هذه الأخيرة وتُطلق علامة Jo Loves – علامة بريطانيّة أصيلة لمستحضرات الحمّام ومستحضرات الجسم وشموع معطّرة بروائح جميلة غير متوقّعة.

 

هل يمكنكِ إخبارنا كيف ولماذا غادرتِ جو مالون لندن؟

اعتقدتُ أنّني سأظلّ أعمل في جو مالون لبقيّة حياتي. وكانتْ الأشهر الأولى مذهلة؛ كنتُ أقوم بكلّ ما أحبّه وكنت أصنع العطور. وفي ذلك الوقت، إكتشفتُ ورماً في صدري فعدتُ إلى لندن وتمّ تشخيصي بنوع خطير جدّاً من مرض السّرطان. كانت معاملة إيفلين لودر لي مذهلة، فعرّفتني إلى الدّكتور لاري نورتون الذي أنقذ حياتي. وبعد إبتعادي عن عملي لمدّة سنة، كنتُ قد تحوّلتُ إلى شخصٍ آخر. عملي ليس بوظيفة بالنّسبة إلي، أحبّ ما أفعله وأحبّ أن أكون ناجحة فيه. وفجأة، شعرتُ أنّني لم أعد الشّخص الذي كنت عليه، لم أعد أشعر أنّني أنتمي إلى تلك العلامة فاستقلتُ.

إعتقدتُ أنّ مرض السّرطان كان سيعود وأحزنني ذلك. لقد حاولوا أن يجعلونني أغيّر رأيي ولكنّني كنتُ مصمِّمة. ففي تلك السّنوات الخمسة التي ابتعدت في خلالها عن هذا المجال، كنتُ أشعر بالتّعاسة. كنتُ أستيقظ كلّ صباح ولم أكن أعلم ما أفعله بنفسي. لذلك، أسّستُ برنامجاً تلفزيونياً وبقيتُ أحلم بصناعة العطور.

في نهاية السّنوات الخمسة هذه، كتبت سيرتي المهنيّة وقلت لنفسي: "إذا قدّم لي أحد عرض عمل، سأقبله، لطالما أبدع عطورًا لأنّ هذا كلّ ما أردت القيام به." وعندما لم يتّصل بي أحد، قرّرت أن أحاول مجدّدًا. بعد انتهائي من تحضير البرنامج التّلفزيوني الذي كنت أعمل عليه، قرّرت أن أبدع عطر على طاولة مطبخي بمساعدة أعزّ صديقة لي شارلوت.

بعدما انطلقنا في هذا العمل، كانت السّنوات الثّلاثة الأولى أصعب ما واجهته في حياتي. لقد ارتكبت كلّ خطأ. لا أعلم السّبب، لكن لم أشعر بأنّ الأمور كانت تسير على النّحو الصّحيح وكدت أستسلم 12 مرّة تقريبًا. وفي آخر مرّة شارفت فيها على الإستسلام هي عندما دخلت إلى المتجر الذي افتتحناه في ذلك الوقت وكان الأمر صعبًا للغاية، لأنّني نظرت إلى الخلف وفكّرت في نفسي: "كنت جزءًا من شيء في ذلك الوقت، لكن ها إنّي الآن في هذا المتجر الصّغير مع قارورةٍ في يدي." كان الأمر صعبًا!

عندما كان زوجي مريضًا للغاية، قلت بنفسي أنّي لا أريد أن أقوم بعملي بعد الآن. توجّهت مباشرةً إلى المتجر، فجلست هناك ذات صباح وبدأت بكتابة لائحة بالأمور التي كنت بحاجةٍ إلى إنجازها بهدف إقفال هذا المتجر. حدث ذلك منذ عاميْن تقريبًا. أذكر حينها إحدى أعضاء الفريق داخلةً تقول لي: "أحبّ العمل لديك. لا أعلم أين أكون إذا ما كنت أعمل هنا." فجلست هناك وتساءلت عمّا أقوم به. فمزّقت تلك الورقة ومنذ ذلك الحين، لم أنظر إلى الخلف.

في حينها، شعرت أنّ عضلاتي تنمو في ذراعيّ ووقفت وقلت لنفسي: "سأنشئ علامة عالميّة ولن يوقفني أحد عن ذلك." استمرّيت في الصّراخ إلى أن وصلت إلى ما أنا عليه.

أخبريني المزيد عن اسم العلامة؟ لماذا اخترت Jo Loves؟

قرّرتُ تسمية علامتي عندما كنتُ جالسة على طاولة مطبخي، حيث أسّستُ علامتي الأولى والثّانية. كنّا نفكّر بأسماء وقال إبني :"أمّي أنتِ إمّا تحبّين الأشياء أو لا تحبّينها! وعندما تتكلّمين عنها، ترمز هذه العلامة إلى كلّ ما تحبّين وستظلّ كذلك. لا تعبّر هذه الأخيرة عمّا يفعله الآخرون، يجب أن ترمز إلى كلّ ما تحبّينه."

وفي تلك اللّحظة، نظرتُ إلى زوجي الذي إلتفت نحوي وعرفنا حينها ماذا سنسمّي العلامة. لقد سجّلنا الإسم في كلّ مكان قبل أن نصنع حتّى قارورة عطر واحدة.

عندما إختصّ الأمر بإبداع رمز لعلامتي الجديدة، لم أكن أجد شيئاً. بعد زيارة عدّة وكالات تسويق، وبعد إجتماعاتٍ لامتناهية وقبل سفري إلى آسيا بيومٍ واحد، وقعتْ أنظاري، عن طريق الصّدفة، على طلاء أظافر اسمه 'Shanghai Red'. فبدأتُ أتلاعب بقارورة هذا الطّلاء الأحمر وأتمعّن بها. ولأنّي أعاني من عسر القراءة، أستخدم النّقاط الحمراء للموافقة على كلّ منتج أبدعه ويعلم من خلال ذلك كلّ فريق العمل أنّه موافق عليه ويُمكن أخذه إلى قسم الإنتاج والعلاقات العامّة. عندئذٍ، أدركت أنّ النّقطة الحمراء هي رمزي.

ماذا عن كتابكِ؟

يتّسم كتابي الذي أنتهيتُ من كتابته منذ أسبوعين بالطّابع الحقيقيّ جدّاً، إنّه يتّسم بلمسة مختلفة. أردتُ أن يحمل كتابي لمسة العطور وروحها. في شهر أكتوبر، لن يكون هذا الكتاب مجرّد ورق إذ سيستطيع الجميع شمّ وقراءة هذا الأخير في الوقت عينه. إنّه يروي قصصاً عن كلّ شيء. وعندما تصلين إلى الصّفحة الأخيرة، تشعرين وكأنّها الأولى. من خلال هذا الكتاب، سيدرك الجميع أنّني لستُ مختلفة عنهم. لم أكن أعرف أين بدأتْ قصّتي لذلك عدتُ إلى حيث بدأت ولاحظتُ قبل أقلّ من 48 ساعة من الآن أنّ الصّفحة الأولى من الكتاب تروي ما حدث البارحة، حيث وقفتُ بصفتي إمرأة شابّة مع أربعة أباريق بلاستيكيّة وقدر وبعد مضي 30 سنة، ها أنا أقف أمام أنظار العالم ليتمّ تكريمي كامرأة. تبدأ القصّة هنا في دبي...

ما كان عطركِ الأوّل؟

كانPomelo  عطري الأوّل وتبعه كلّ من عطور Green Orange و Coriander وOrange Tulle، الذي من خلاله سأبدع أمرًا جنونيًّا. ثمّ إستخدمنا المانغو واللّيمون التّايلنديّ في عطر، وأبدعنا عطر آخر اسمه Pink Vetiver. لقد أبدعتُ أيضاً عطرًا أسميته Red Truffle 21 الذي يرمز إلى السّنوات الواحدة والعشرين التي أمضيتها في مجال البيع بالتّجزئة. أردتُ رائحة واضحة لم يستخدمها أحد قبلي. يمكن شمّ قوّة الكمأة في هذا العطر، ولكنّها محاطة بعطر الفواكه الحمراء وعطر الأخشاب والحمضيّات – ما يضفي طابعاً ذكوريّاً قويّاً عليه.  

أخبرينا عن أمرٍ آخر تريدين القيام به.

تماماً كالإنسان، تتّسم كلّ علامة بخمسة حواس وأرغب في أن أستمرّ بمنح هذه الحواس الخمسة الحياة في أغراض ملموسة. فأرغب بإفتتاح فندق صغير لأنّني أحبّ السّفر والرّفاهيّة وأحبّ الأشياء الجميلة. أريد أن أهتمّ بكلّ تفصيل. إنّني في صدد مناقشة بعض المشاريع المثيرة للإهتمام، حيث يمكنني إستخدام روحي الإبتكاريّة ولستُ مضطرّة إلى أن أكون موجودة جسدياً. أريد أن أقوم بالأشياء على نحو مختلف وأريد إختبار الأشياء التي تقع خارج نطاق صناعة العطور. لذلك، حتّى لو فشلتْ، على الأقلّ أكون قد حاولت. أريد رؤية علامة Jo Loves منتشرة في كلّ البلدان دون أن تشكّل تهديداً لعلامة جو مالون. آخر ما أريده هو أن أسبّب الحيرة للنّاس، على الأقلّ مرّةً في حياتي حيث أغيّر نظرتهم لعادة إستخدام العطور.

ما الذي تمثّله دبي بالنّسبة لكِ؟

في خلال وجودي في هذه المدينة، ينتابني شعورٌ لا أختبره في أيّ مكان آخر في العالم. إنتابني هذا الشّعور عندما كنتُ في نيويورك، حيث عشْتُ سنة ويخالجني الشّعور نفسه هنا. أحبّ الحياة في هذه المدينة والنّاس الذين يعيشون فيها وروحها. أشعر بكثير من الأمان هنا وأشعر أنّه بإمكاني أن أكون على طبيعتي. إنّها مكان يريد الجميع فيه الخير لبعضهم وهذا يزوّدني بشعور جيّد.

 

ميرلّا حدّاد